تقرير: محمد طارق البحيصي
تغيب الكثير من ضوابط الوقاية الصحية في ظل جنون حرب الابادة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، كما تغيب أغلب السلع الغذائية الضرورية في ظل المجاعة، ويعتبر السكر من أهم السلع نادرة التواجد في غزة، وإن وجد يتراوح سعر الكليو من ٧٠ – ١٣٠ دولار، وذلك أتاح الفرصة لبعض التجار بإخراج المُحليات الصناعية وبيعها كبديل عن السكر لتلقى بذلك رواجا وإقبالا لدى كثير من سكان قطاع غزة، والناظر في الخلفية الطبية لهذه المحليات الصناعية سيكتشف الخطر الصحي البالغ لتداولها في الأسواق واستخدامها العشوائي من المواطنين اللذين باتوا يعيشون وسط حالة من الفوضى خاصة في ظل غياب أي رقابة رسمية.
(سكر اللوز)
يمسك المواطن عماد منصور (36 عاماً) بيده علبة صغيرة بداخلها مسحوق أبيض اللون، وملامحه يعلوها الشحوب، وتظهر على يديه ووجهه علامات حمراء، ويتحدث عماد عما بيده وعن سبب حالته الصحية قائلاً: (وأنا أتجول في الأسواق وجدت البائعين يعرضون منتج تحت اسم (سكر اللوز) فتحدثت مع البائع عن طبيعة المنتج ليخبرني أنها مادة تعتبر كبديل عن السكر وأن بمقدور ال1 جرام من هذه المادة تحلية ما لا يقل عن 2 لتر من الماء، وفي ظل عدم تواجد السكر في السوق وارتفاع ثمنه وعدم قدرتي على الحصول ولو على القليل من السكر منذ 4 شهور اضطررت لشراء ذلك المنتج بسعر 30 شيكل للجرام الواحد، وبدأت باستخدامه دون أن يكون لدي أي خلفية عن اسم المادة العلمي وشروط الاستخدام وهل لها أضرار أم لا ).
(مادة خطيرة)
بعد أقل من 10 أيام من استخدام عماد لتلك المادة بدأت حرارة جسده بالارتفاع وبدأت تظهر على يديه بقع حمراء شديدة الألم _كما يصف_، ليتوجه فورا إلى مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وبعد إجراء فحص للدم والبول أخبره الطبيب أنه يعاني من حساسية شديدة وكذلك التهابات شديدة في البول، وبعد عرض عماد لطبيعة الأغذية التي تناولها خلال فترة الأسبوع على الطبيب لم يعلق الطبيب المختص على أي منها، قبل أن يستدرك عماد المحلي الصناعي الذي استخدمه مؤخراً في صناعة الشاي وبعض الحلويات ليخبره الطبيب على الفور أن هذه المحليات هي السبب المباشر وراء حالته الصحية، وأنه من حسن الحظ أن جسد عماد أظهر علامات عدم قبول تلك المادة قبل أن تتراكم المادة في خلايا جسمه مسببة أمراض شديدة الخطورة يؤدي بعضها لعطل في وظائف بعض أجزاء الجسم.
ما هي هذه المادة ؟
د. هاشم عرفة (رئيس قسم السلامة الغذائية في وزارة الصحة بغزة) قال عن نوع المادة المنتشرة في الأسواق كمحلي بديل السكر، إن هناك العديد من أنواع المحليات الصناعية وكلها متشابهة في الشكل الخارجي ويتطلب الأمر ورقة بيان للمنتج وفحص مخبري لمعرفة ما هي هذه المادة، وهذا الأمر غائب في ظل حرب الإبادة على غزة، حيث تعرض هذه المادة في الأسواق للمواطنين تحت مسميات تجارية شعبية مثل (سكر اللوز)، ولا يوجد أي أوراق توضح طبيعة المادة وتاريخ انتاجها وانتهاء صلاحيتها، مع ضرورة التعرف على هذه المادة لمعرفة طريقة استخدامها والنسب المسموح بها للاستخدام اليومي.
(تسبب السرطان وسقوط الحمل)
هذه المحليات الصناعية تعطي حلاوة للمواد الغذائية بنسبة أكبر بمئات المرات من السكر العادي، ولكن دون أي قيمة غذائية، حيث لا تعطي سعرات حرارية ولا تحتوي على كيبوهيدرات، مما يجعلها مادة غير مغذية، وهنا يلفت د. هاشم إلى أن هذه المواد تقتصر فائدتها فقط على الدخول في بعض الصناعات الغذائية تحت رقابة لطبيعة التخزين ونسب الاستخدام، وأن الضرر يكمن في زيادة استخدام هذه المحليات الصناعية أو تجاوز النسب المسموح بها لكل شخص في اليوم، وأن هذا الضرر يكون بالتسبب بأمراض خطيرة كالسرطانات.
وقد أثبتت العديد من الدراسات الأجنبية مساهمة هذه المحليات الصناعية في تحفيز الخلايا السرطانية وانتشارها، وكذلك تليف الكبد، والقضاء على الفلورا الطبيعية للبكتيريا النافعة الموجودة في الأمعاء مما يسبب مشكلات صحية في التمثيل الغذائية، وكذلك ينتقل منتج الاسبارتام عبر المشيمة للمرأة الحامل إلى الجنين مما يزيد من فرص سقوط الحمل نتيجة تسمم الجنين.
( مصنعة كيميائياً )
المحليات الصناعية هي مواد مصنعة كيميائياً بشأن كامل، بهذا بدأ د. صالح الطويل (مسؤول الأدوية والسموم) حديثه عن المنتجات المنتشرة في أسواق قطاع غزة (كبديل عن السكر)، ويوضح أن المحليات الصناعية تستخدم بشكل أساسي في بعض الصناعات الغذائية مثل المشروبات الغازية الخالية من السكر (الدايت) وذلك وفق نسب دقيقة لا يمكن تجاوزها، وكذلك تستخدم في صناعة الأدوية لتغيير طعم الدواء غير المستساغ وجعله قابلا للشرب، ولكن أن يتم عرضه في الأسواق وشراؤه واستخدامه بشكل عشوائي من المواطنين فهذا له انعكاسات خطيرة على صحة الانسان.
( النسبة المسموح بها )
يضع الدكتور صالح أساساً مهماً لاستخدام هذه المادة حيث لابد من مراعاة النسبة المسموح بها للكمية التي ينبغي ألا يتم تجاوزها في اليوم الواحد للشخص والتي تعرف باسم (ADI)، فيوجد العديد من المواد التي تستخدم كمحليات صناعية من أهمها (اسبارتام، سكرلوز، سكلميت، سكارين، lfm) ولكل مادة منها نسبة ADI يؤدي تجاوزها لدخول الشخص في مرحلة الخطر حيث لا يمكن للجسم التخلص منها، ومثلاً حسب منظمة (FDA) فإن مادة السكرين نسبة ال ADI لها هي 5 ملم لكل كيلو من جسم الانسان، فيتم الحساب بمعرفة وزن جسم الانسان أولاً ثم ضربه في نسبة ال ADI وهي 5 ملم ومن ثم تقسيمها على 1000، ونجد في الأسواق حالة من الفوضى والاستهتار لا ينبغي التهاون بها، ولا ينبغي للمواطن أن يأخذ هذه النسبة من البائع الذي تكون غايته البيع فقط والذي ليس من اختصاصه الحديث عن هذه المواد، وكذلك قيام الأشخاص بتذوق هذه المادة بشكل مباشر لمعرفة مدى قوتها على التحلية هذا يعني قيامهم بأخذ مئات المليغرامات في ملعقة صغيرة مما يعني تجاوز نسبة ال ADI بشكل مرتفع.
( خطر التسخين والعرض في الأسواق )
و مما يزيد الأمر خطورة هو تسخين هذه المواد ووضعها في الماء المغلي لصناعة الشاي، فيؤكد الدكتور صالح أن هذه المواد الكيميائية تتكسر جزيئاتها بالتسخين وتنتج عنها مواد سامة، وأكثر مادة خطورة بهذا الشأن هي الاسبارتام والتي لا يمكن التعرف عليها إلا بالفحص المخبري، وكذلك طريقة عرض هذه المحليات الصناعية على البسطات في الأسواق وتحت أشعة الشمس المباشرة، والتعرض للرطوبة وعدم وجود وسائل تخزين وحفظ سليمة يجعل هذه المواد أكثر خطورة، فالمكان الذي ينبغي أن تباع فيه هذه المحليات الصناعية هي الصيدليات وتحت اشراف طبيب مختص، وكذلك أي صناعة غذائية تستخدم هذه المحليات الصناعية لابد أولاً من تصريح من وزارة الصحة وفحص كامل لهذه المواد قبل دمجها في تلك الصناعات.
( قصف المختبر )
يعود المهندس لؤي العمصي (مسؤول وحدة الرقابة على الأغذية في المنطقة بالوسطى) إلى ما قبل حرب الابادة على غزة، حيث أفاد أن أي مادة كانت تدخل قطاع غزة كان لابد من فحصها، وخصوصاً المواد الكيميائية المستخدمة في الصناعات الغذائية، حيث يتم فحصها مخبرياً وتحديد نوعها ونسبة تركيزها ومتابعة آلية توظيفها في الصناعات الغذائية من قبل المصانع المرخصة.
ولكن بعد اندلاع الحرب وقصف الاحتلال لمختبر وزارة الصحة والسلامة الغذائية الكائن في منطقة الشجاعية والمعروف باسم (مختبر صبحة) وتدمير كافة الأجهزة والمعدات فيه، لم يعد هناك امكانية لمواصلة فرق الرقابة والتفتيش اجراءات التعرف على المواد الموجودة في الأسواق وفحص سلامتها.
ومن ناحية أخرى يلفت لؤي العمصي النظر إلى عدم وجود حماية لطواقم الرقابة، وبالتالي عدم القدرة على اصدار وتنفيذ اجراءات المصادرة والتحرز على المواد التي لا ينبغي بيعها في الأسواق مثل المحليات الصناعية.
( لا يزال الخطر قائماً )
لا تزال هذه المحليات الصناعية تعرض في الأسواق، ولا يزال الخطر قائما، ما يعني باب جديد من أبواب الموت المشرعة على أهالي قطاع غزة في ظل حرب ألقت الناس في مهاوي القصف والجوع والمرض وغياب القوانين والاجراءات الوقائية، ولا يزال الخطر يدق ناقوسه لعل هناك من يسمع ويجيب!