“ثمن الحقيقة في حياتي مر” تقول الصحفية نور سوريكي، التي لا تزال تقف على قدميها لتغطية آثار الحرب التي استمرت 470 يوما على غزة.

تتابع: “اضطررت أن أستغني عن أمومتي في هذه الحرب، حفاظا على سلامة أبنائي، أجليتهم إلى القاهرة، اضطررت أن أكون وحيدة دون عائلتي أبي أمي وأخوتي.”.. تتنهد ثم تقول: “أنا وحيدة منذ عام”.
في بعض الغياب حضور أكبر
الكثير من الصحفيات في الضفة الغربية وغزة، دفعن ثمناً باهظاً لقاء قولهن ونقلهن للحقيقة، من أحق منهن كي نستذكرهن في الثامن من آذار، وهو اليوم العالمي للمرأة، حيث تحتفي نساء العالم بإنجازاتهن، ونحتفي نحن بنساء فلسطين الماجدات والمناضلات والشجاعات، نحتفي بهن نساء مبدعات ورياديات وقياديات في كافة المجالات.
وفي الثامن من آذار، نستذكر في “كاشف” من دفعن حياتهن ثمنا للحقيقة، نستذكر الزميلة الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، التي قالت “وفي بعض الغياب حضور أكبر”، فكان غيابها دوماً حضوراً، في كل مقام يقال فيه شيئا عن ثمن الحقيقة في فلسطين.

الأمومة… ثمن الحقيقة
نستذكر في كاشف أيضا صحفيات دفعن من سنوات عمرهن، وتفرقتهن عن أطفالهن وعوائلهن، ثمنا لقول الحقيقة، الصحفية رولا حسنين التي تحررت قبل أسابيع قليلة في المرحلة الأولى من صفقة وقف اطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس تقول لكاشف: أنا دفعت ثمن الحقيقة بابتعادي القصري عن طفلتي إيلياء، التي كانت بحاجة ماسة لي وكانت تبلغ من العمر ٩ شهور فقط، كبرت إيلياء ١٠ شهور، وأنا بعيدة عنها، لدرجة أنني عندما خرجت من السجن لم تعرفني.

تتابع: دفعت ثمن الحقيقة من صحتي الجسدية والنفسية، تعرضت لقمع كبير جدا في معتقلات الاحتلال، حتى في أحكامنا كصحفيات دفعنا أثمانا باهظة، فقد كانت أحكامنا أعلى من المعدل الذي تطلبه محكمة الاحتلال للأسيرات عادة.
تقول: وذلك فقط من أجل كلمة قلناها ومن أجل عمل مهني نقوم به، وأنا بعد التحرير أيضا لا زلت أدفع أثمان، من خلال التهديد المستمر ومن خلال فرض شروط قاهرة علينا تقيد حريتنا في نقل الحقيقة.
الكلمة ثمنها حياتك!
الزميلة الصحفية رشا حرز الله، وهي أسيرة محررة أيضا، من مدينة نابلس، وشقيقة شهيد، تقول عن الثمن الذي دفعته لقاء الحقيقة: الكلمة لأي صحفي وصحفية في أرض محتلة ليست مجرد حروف، فالكلمة هنا ثمنها حياتك أو حريتك أو عزلتك عن تفاصيل حياتك اليومية، وأسرك في حياة جديدة لا تشبه حياتك.
وأكدت حرز الله أنها أمضت 6 شهور في المعتقلات نتيجة عملها الصحفي ونشرها منشورات بالنسبة لهم ممنوعة، وتعرضت خلال هذه الفترة للضرب والإهانة والشتائم فقط لأنها قالت الحقيقة، وقالت: الكلمة والحقيقة ندفع ثمنها يوميا وللأبد.

ثمن الحقيقة: خدمة دار مسنين إجباريا في دولة الاحتلال
لمى غوشة صحفية فلسطينية من سكان مدينة القدس، اعتقلها الاحتلال قبل عامين بسبب عملها الصحفي، واتهمها بالتحريض، وبعد انتهاء فترة اعتقالها الفعلي حولها للحبس المنزلي ل 10 شهور، ثم صدر قرار بتحويلها للعمل الإجباري، لمدة 9 أشهر داخل دار لمسنين إسرائيليين في مستوطنة غربي القدس المحتلة.

تقول لمى لكاشف: شخصيا منذ عام ٢٠٢٢ حتى اللحظة التي أحدثكم فيها وانا انتقل من عقوبة لأخرى والتهمة هي قول الحقيقة، ورغم كل هذه العقوبات التي تعرضت لها، وبعد مرور عامين ونصف لم أحاكم قانونيا ورسميا بعد.
تابعت: مع بداية كل صباح وعند انتهاء كل يوم ومع كل تغطية إخبارية انتظر المجهول، لكن إيماني بضرورة قول الحقيقة بدون أي تقصير أو مبالغة او تحريف هو الذي يدفعني دائماً لإكمال هذه المسيرة مهما عظم الثمن.
ثمن الحقيقة: تنقلت بين قنابل الغاز وأنا حاملَ!
الزميلة الصحفية ريما العملة، مديرة مكتب تلفزيون فلسطين في نابلس، واجهت الموت عدة مرات أمام قوات الاحتلال، أثناء تغطيتها للأحداث الدائرة في المدينة.
قالت حول ثمن الحقيقة: الصحفي/ ة الفلسطيني/ة، أكثر من يدفع ثمن الحقيقة بصفتهم شاهدين مباشرين على جرائم الاحتلال، وكنت مرات أكون حامل وأركض بين النار وقنابل الغاز، ومرات أخرى كنت أودع اولادي وانا خارجة لتغطيات صعبة لا أعرف هل سأعود للبيت أم لا.

وأشارت إلى أن حياة الصحفي الاجتماعية تكون شبه معدومة في ظل حمل رسالة وطنية وأخلاقية بوجوب ذهابه إلى المهمة في أي وقت لنقل الحقيقة، فقد اضطرت مرات كثيرة أن تغيب عن مناسبات عائلية وأعياد، لأن رسالتها كانت تطلب منها أن تكون في الميدان.
وتابعت: مع ذلك سنبقى كصحفيات وصحفيين فلسطينيين حراس وحارسات للحقيقة.
ثمن الحقيقة: 9 سنوات وأنا بعيدة عن ابني في الميدان
الصحفية راية العروق من مدينة جنين المحاصرة منذ أسابيع طويلة والتي تتعرض لتدمير كبير ونزوح قسري لأهاليها، وهو ما يزيد من العبء الملقى على الصحفيين والصحفيات لنقل الحقائق من الميدان، تقول: الثمن الباهظ الذي دفعته من أجل الحقيقة سواء في العمل الميداني أو العمل المكتبي، دفعته من صحتي النفسية والجسدية، شعرت بالخوف مرات كثيرة وأنا قريبة من الرصاص، أنقل الأحداث من الميدان ومعرضة للخطر.

وأضافت: أصبح عمر ابني 9 سنوات وأنا بعيدة عنه وغارقة في تغطية الأخبار ونقل الحقائق.
ثمن الحقيقة: تحريض وتهديد
الصحفية رنا أبو فرحة من بيت لحم، التي ترى أن الحقيقة هي الرسالة الأسمى للصحفيين الفلسطينيين، تقول: دفعت أثمان كثيرة للحقيقة في عملي الصحفي، ومن هذه الأثمان التي دفعتها كانت التحريض، والتهديد لي شخصيا ولعائلتي، فقد تلقيت رسائل نصية وصوتية تهددني، ولكن لن تنال من عزيتي على الاستمرار في نشر الحقيقة.

ثمن الحقيقة: إصابة في يدها اليمنى
الصحفية نغم زايد من طولكرم، التي تساهم أيضا في تغطية الحملة العسكرية المستمرة على مدينة طولكرم منذ قرابة شهر ونصف، تقول: دفعت ثمن الحقيقة سعادتي وحياتي بعيدا عن عائلتي وأصدقائي، دفعت الثمن إصابة في يدي اليمنى ولكن ذلك لا يجعلني أتوقف عن مهنتي بل زادت عزيمتي على الاستمرار في نقل الحقيقة.

لهؤلاء الصحفيات الفلسطينيات وغيرهن، ممن دفعن ثمن الحقيقة من حياتهن وأعمارهن، وبعدهن عن أفراد عائلاتهن، للأسيرات الصحفيات، للجريحات، لكل من دفعن ثمنا ولو بسيطا لقاء قول الحقيقة: كل عام وأنتن أقوى، كل عام وأنتن فارسات الميدان.