“الحكومة تضع كل إمكانياتها لتسهيل عمل الصحفيين وتأمين استمرارهم في أداء واجباتهم المهنية والوطنية، إيمانا منها بضرورة تعزيز الحريات وعلى رأسها حرية الصحافة والإعلام، واستعدادها لتقديم كل دعم ممكن من أجل إنجاح رسالة الإعلام الفلسطيني ومهمته الوطنية.”
كان هذا النص جزءا من كلمة رئيس الوزراء، محمد مصطفى، التي قالها خلال إطلاق المؤتمر الدولي الأول لتنمية الإعلام الفلسطيني، الذي نظمته نقابة الصحفيين الفلسطينيين في رام الله، وافتتح يوم الثامن عشر من تشرين الثاني المنصرم 2024، بحضور حشد من الشخصيات السياسية والمنظمات الدولية، والفصائل الفلسطينية، والمؤسسات الصحفية.
يأتي تصريح رئيس الوزراء حول الإمكانيات التي تمنحها الحكومة للصحفيين في عملهم، في فترة يشكو فيها الصحفيون والصحفيات من ضعف تعاون العديد من الوزارات في الحكومة الحالية، التي تم تشكيلها في نهاية آذار من العام الماضي، مع الإعلاميين، وعدم منحهم المعلومات المطلوبة لإتمام تقاريرهم مما جعل مرصد كاشف يدقق في صحة التصريح.
الإدعاء:
حكومة محمد مصطفى تضع كل إمكانياتها لتسهيل عمل الصحفيين، واستمرارهم في أداء واجباتهم الوطنية، إيمانا منها بضرورة تعزيز الحريات، وعلى رأسها حرية الصحافة والإعلام”
تفاصيل التحقق
أولا: استطلاع رأي
لمعرفة حجم تعاون حكومة محمد مصطفى مع الصحفيين والصحفيات، صمم مرصد كاشف استطلاعا للرأي وقام بتوزيعه على 83 صحفياً وصحفية، من محافظات مختلفة في الضفة الغربية. وكانت النتائج كالتالي:
- السؤال الأول: مستوى تعاون الحكومة الحالية مع الصحفيين في عملهم: “ضعيف إلى ضعيف جدا”
وفقا لنتائج الاستبيان، فإن 51 صحفياً وصحفية من المستطلعة آراؤهم بما نسبته”61.4%” أجابوا أن مستوى تعاون الحكومة الحالية مع الإعلام من “ضعيف جدا إلى ضعيف”.
وتوافقت هذه النسبة مع إجابات العديد من الصحفيين والصحفيات الذين أجرينا معهم مقابلات حول مستوى تعاون الوزارات في الحكومة الفلسطينية معهم، حيث أكد الصحفي الاستقصائي محمد غفري أنه عادة ما يواجه مشكلة في الحصول على المعلومات اللازمة من أجل إتمام أي مادة صحفية، وفي مرات عديدة تم حجب المعلومات عنه، من جهات رسمية مختلفة.
وقال: الأمر لا يتوقف على المقابلات فقط، بل أيضا الوثائق، أذكر أنه قبل فترة حاولت الحصول على وثائق تبين كيفية توزيع التحويلات الطبية على المستشفيات في فلسطين، ولكن وزارة المالية رفضت منحي المعلومات اللازمة.
وأكد غفري أنه كصحفي كان يعول على هذه الحكومة كونها حكومة “تكنوقراطية”، ولكنه مع الأسف الأمر لا يتعلق بحكومة دون غيرها، وإنما بمنظومة سياسية كاملة، وهذا ما يفسر أن كل الحكومات دون استثناء تعاونها سيء مع الصحفيين، لأن الأمر متعلق أكثر بكونه سياسة، والحكومة هي من تطبق هذه السياسة.
-السؤال الثاني: هل رفضت أي وزارة في الحكومة الحالية إعطاء معلومات حول قضية معينة؟ 44.5٪ نعم
رغم قصر عمر الحكومة الحالية، التي لم تتم العام بعد، إلا أن 44.5% من المستطلعة آراؤهم/ن أجابوا بنعم على سؤال: هل سبق وأن رفضت أي وزارة في الحكومة الحالية إعطائك معلومات حول قضية معينة؟
وعلى سبيل المثال أجابت الصحفية عزيزة نوفل، التي تعمل مع العديد من وكالات الأنباء الدولية، حول رفض المعلومات من الحكومة الحالية:
“الحكومة خلال الأشهر الثلاث الأولى، لم تكن تعطي أي معلومة للصحفيين، وكنا نتواصل مع العديد من الوزراء، حتى في الوزارات التي لا يعتبر عملها حساسا ولم نكن نحصل على المعلومات المطلوبة.”
وأضافت: “حتى بعد الانتهاء من فترة الثلاثة شهور الأولى لا يوجد تعاون بالمستوى المطلوب، فقد تواصلت مع وزيرة المرأة للحديث عن أوضاع الأسيرات ولم أنجح في الحصول على مقابلة، كذلك رئيس هيئة الجدار والاستيطان لم استطع الحصول على أي معلومات منه.”
وأشارت نوفل إلى أن الوزراء والمسؤولين يستخدمون عادة اسلوب المماطلة والتأجيل كبديل عن الرفض المباشر، ولكننا في النهاية بحاجة إلى نشر تقاريرنا ولا نستطيع الانتظار لفترات طويلة جدا.
الاعلامية ريما فراسيني، التي تعمل في شبكة وطن الإعلامية، قالت إن أكبر مشكلة تواجهها في تواصلها اليومي مع الحكومة ووزاراتها، هي المماطلة والتسويف، وقد حدث ذلك مع عدة وزارات أهمها الصحة والداخلية، والتي لم ترفض إجراء المقابلة بشكل قاطع وإنما ظلت تماطل وتؤجل المقابلة ما حال دون إجرائها.
– السؤال الثالث: ما هي الوزارة الأقل تعاونا مع الإعلام في الحكومة الحالية؟ وزارة المالية
في سياق رد المستطلعة آراؤهم على سؤال ما هي أقل وزارة تعاونا مع الإعلام برأيك؟ تصدرت وزارة المالية المرتبة الأولى من بين الوزارات الأقل تعاونا مع الإعلام، يليها وزارة العمل ثم وزارة الداخلية، كما شملت الإجابات وزارات أخرى منها “وزارة التربية والتعليم، والصحة، والأوقاف والشؤون الدينية، الاقتصاد والزراعة، المرأة، ومركز الاتصال الحكومي”.
ويتضح من الإجابات أن الوزارات التي احتلت المراكز الأولى في عدم التعاون مع الصحفيين ووسائل الإعلام هي الوزارات الأكثر أهمية، والتي تمتلك صناديق الأسرار المالية والسياسية.
وأشارت الصحفية حلوة عاروري أن مستوى التعاون من قبل الوزارات يعتمد على الوزارة نفسها، حيث هناك تعاون من بعض الوزارات ولكن في المقابل هناك وزارات غير متعاونة، موضحةً أن بعض الوزارات مثلًا تحتاج إلى فترة طويلة للتواصل معها ولا يكون هناك أي رد في النهاية، لذلك ترى عاروري أنه من المهم أن يكون هناك جهدا أكبر لتسهيل عمل الصحفيين وتسهيل حصولهم على المعلومات.
وأكدت الصحفية رشا حسونة معدة ومقدمة النشرة الاقتصادية على اذاعة وطن، أنها لمست عدم تجاوب واضح من قبل الوزارات في الشهور الأولى من عمل الحكومة، مشيرة أن مستوى الاستجابة ضعيف بشكله الطبيعي، وهو ما يعرقل عمل الصحفيين.
وفي سؤال حر في استطلاع الرأي، أجاب عليه عدد كبير من الصحفيين والصحفيات، حول “موقف حدث معهم رفضت فيه الحكومة الحالية أو وزارة فيها الإدلاء بمعلومات للصحفيين/ ات، من أجل إنجاز تقاريرهم”، تراوحت المواقف بين رفض تام من قبل الوزارات من أجل إعطاء المعلومات، أو عدم التعاون، أو المماطلة والتسويف إلى حين اضطرار الصحفي/ة نشر تقاريرهم دون الرد من قبل الجهات الرسمية.
ثانياً: تجربة إدارات المؤسسات الإعلامية وغرف التحرير المحلية
قابل مرصد كاشف مدراء المؤسسات الاعلامية المحلية، والمسؤولين عن غرف التحرير، للاستماع إلى تجربتهم في التعاطي مع المؤسسات والوزارات في الحكومة الحالية من أجل التحقق بشكل أوسع في الادعاء، وكانت اجاباتهم كالتالي:
- المديرة العامة لشبكة راية الإعلامية، هبة وزني، قالت إن الموضوع خاضع أكثر للعلاقات الشخصية وطبيعة عمل الوزارة، “فهناك بعض الوزارات قد ننتظر شهور طويلة من أجل الحصول على رد منهم في قضية معينة ولا نحصل على الرد، وهناك وزارات أكثر تعاوناً وانفتاحاً.”
وأكدت وزني أنها تحاول غالبا من خلال علاقاتها الشخصية أن تضغط على الوزارات من أجل الحصول على ردها في القضية المختلفة ولكن الأمر غالبا لا يكون سهلاً.
وبينت أن هناك حاجة ماسة إلى نظام واضح ومنفتح وسلسل يمكن جميع الصحفيين على حد سواء من الوصول إلى مصادر المعلومات المختلفة.
وشددت على أنه لا تزال العديد من الوزارات في الحكومة الحالية مقاطعة للإعلام المحلي بشكل كامل ولا يوجد اي تعاون من طرفها مع وسائل الإعلام، ما يعرقل عمل الصحفيين/ات.
- الشريك المؤسس في “بال جراف”، الصحفي محمود حريبات، قال: “انا شخصيا طلبت خلال الفترة الماضية لقاءات مع 6 مسؤولين فلسطينيين، ولم أنجح في مقابلتهم خلال برنامجي تحت ذرائع ومبررات مختلفة، مع العلم أن بعضهم رأيتهم في نفس الفترة على وسائل اعلام عربية”.
وتابع قائلاً: “الإعلام المحلي يواجه العديد من التحديات، أحد هذه التحديات هو عدم توفر مصادر المعلومات لديه، وهو ما يجعله إعلاما ناقلا عن الاعلام العبري والدولي.
وتحدث حريبات عن تجارب الدول الأوروبية في انفتاحها مع وسائل الإعلام، ففي ألمانيا مثلا يعقد الناطقون باسم الوزارات المختلفة اجتماعين أسبوعيا لجميع وسائل الإعلام في ألمانيا وتقوم بمساءلة الحكومة عن دورها وأعمالها في كل مجال من المجالات.
- رئيس تحرير موقع دوز، الصحفي عبد عثمان٫ أكد أننا لا نزال كصحفيين فلسطينيين بحاجة إلى نظام واضح وشفاف ومنفتح مع وسائل الإعلام، هذا فقط من شأنه أن يحسن من واقع الحصول على المعلومة، إضافة إلى إقرار قانون حق الحصول على المعلومات الذي لم يوقع عليه الرئيس حتى اليوم، رغم المطالبات المتكررة على مدار السنوات الماضية.
- مسؤول المراسلين في موقع ألترا فلسطين، الصحفي باسل رزق الله، أكد أن الحصول على المعلومات من الوزارات والمؤسسات الرسمية ليس سهلاً بالمطلق، وليس قائما على نظام شفاف وواضح، مبينا أنه كلما زادت حساسية عمل الوزارة كلما قل تعاونها مع الإعلام، وهذا ما يفسر أن الوزارات الخدماتية هي أكثر تعاونا من غيرها.
ثالثاً: تأثير غياب قانون “حق الحصول على المعلومات” على عمل الصحفيين
منذ العام 2005 وحتى اليوم، تجري المناقشة على قانون حق الحصول على المعلومات، ويطالب الصحفيون ومؤسسات المجتمع المدني بإقرار هذا القانون الذي من شأنه أن يمكن الصحفيين وحتى المواطنين العاديين من الحصول على معلومات ووثائق حول أي قضية. ورغم مرور 20 عاما إلا أنه حتى الأيام لم يتم الاتفاق على مسودة قانون تلقى قبولا لدى المشرع الفلسطيني للموافقة عليها.
ويقول الإعلامي المختص في الشأن القضائي ماجد العاروري، إن العمل على القانون يتراوح في مكانه ولا يتقدم بالمطلق، وتجري نقاشات عليه أحيانا ولكن لا توجد إرادة سياسية لدى القيادة من أجل إقراره. ويرى أن السبب في ذلك لأن القانون يتيح لأي شخص تقديم طلب الكشف عن المعلومات، والإدارة السياسية لدينا غير جاهزة من أجل الانكشاف، وتقديم المعلومات وتحمل النتائج، وعدم جهوزيتهم للشفافية.
وأكد أن النظام السياسي الشفاف هو المضاد الحيوي للفساد، ونحن لا يوجد لدينا جاهزين من أجل هذا المضاد الحيوي، الذي قد يفتح باب التحقيقات الصحفية والمسائلة بكافة أشكالها، لذلك تميل المنظومة السياسية برمتها إلى الغموض والانغلاق والتكتم على المعلومات.
نتيجة التحقق:
بناء على ما سبق، صنف مرصد كاشف تصريح رئيس الوزراء وفقاً لما يلي:
- الإدعاء بأن الحكومة تضع كل إمكانياتها لتسهيل عمل الصحفيين “غير دقيق”
- ملخص استطلاع الرأي الذي أجراه مرصد كاشف مع الصحفيين:
- 61.4% أشاروا أن مستوى تعاون الحكومة الحالية مع الإعلام من “ضعيف جدا إلى ضعيف”.
- 44.5% أشاروا أن وزراء في الحكومة الحالية رفضوا إعطائهم معلومات حول قضية معينة.
- تصدرت وزارة المالية المرتبة الأولى من بين الوزارات الأقل تعاوناً مع الإعلام، يليها وزارة العمل ثم وزارة الداخلية.
- العديد من الصحفيين/ات أكدوا أن مستوى تعاون الحكومة معهم ضعيف، ويتراوح بين الرفض المباشر والمماطلة والتسويف.
- البيئة القانونية للعمل الإعلامي في فلسطين، بيئة غير داعمة لحق الصحفيين في الحصول على المعلومات ما يعرقل خوضهم في الكثير من القضايا الهامة للجمهور الفلسطيني ويجعلهم يضطرون للنقل عن وسائل الاعلام العبرية والدولية.