تكرار للسابع من تشرين الأول 2023 أو الحدث الأصعب منذ ذلك التاريخ، هكذا وصفت ليلة الجمعة – فجر السبت 30.8.2025 في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة، وشهدت تغطية إعلامية كثيفة عبر وسائل الإعلام المختلفة ومنصات التواصل الاجتماعي، ورجح محللون إمكانية أن تكون تحولًا مركزيًا في حرب الإبادة على القطاع. نتتبع في هذا التقرير شكل التغطية الإعلامية وما كُشف لاحقًا حول حقيقة ما جرى.
تسلسل الأحداث
بدأت وسائل الإعلام المختلفة على رأسها قناة الجزيرة، بتداول خبر قالت إنه نقلًا عن وسائل إعلام إسرائيلية يفيد بوقوع حدث صعب في قطاع غزة أسفر عن مقتل جندي وإصابة آخرين، وأن المروحيات الإسرائيلية تعمل على إجلاء الجنود تحت النار.
استمرت تغطية الحدث بتداول خبر دخول مقاتلات بشكل مكثف إلى سماء قطاع غزة، وارتفاع أعداد المصابين في صفوف جنود الاحتلال، ليبدأ الحديث عن حدث أمني آخر في القطاع، وتداول مقطع فيديو بعيد قيل أنه لعمليات قصف تنفذها طائرات الاحتلال عقب الحدث الأمني.
حُدد بعدها مكان الحدث الأمني وتفاصيل إضافية عنه استنادًا على رواية وسائل إعلام إسرائيلية، وهو كمين نفذته كتائب القسام في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة بعد رصد قوات الاحتلال بمناظير ليلية، وأسفر عن قتيل و 9 إصابات في صفوف جيش الاحتلال.
انتقلت التغطية للحديث عن حدث أمني ثالث في غزة وصف بالصعب، ووقوع عدد من القتلى في صفوف جنود جيش الاحتلال بعد الحديث عن قتيل واحد في الكمين، ووصفت بعض إصابات الجنود بالحرجة، إضافة إلى نقل خبر إرسال الاحتلال لـ 6 مروحيات إضافية لإجلاء المصابين.
بعد ذلك، شهدت التغطية تحولًا محوريًا اعتبر الأهم خلال التغطية، وهو الانتقال من الاشتباكات بين كتائب القسام وجيش الاحتلال إلى إمكانية وقوع أسرى بيد حركة حماس، فنُقل عن وسائل إعلام إسرائيلية قولها إن الجيش فعل بروتوكول “هانيبعل” لمنع سقوط أسرى، تحديدًا مع استمرار الاشتباكات وقدوم مزيد من المقاتلين الفلسطينيين. وتكشفت القوات التي تعرضت للكمين، وهي وفقًا لوسائل الإعلام قوات تابعة للفرقة 162 واللواء 401.
تكثفت التغطية الإعلامية حول وقوع أسرى، بنشر أخبار تتعلق ببحث الجيش عن مفقودين في صفوفه وأن مقاتلي القسام حاولوا أسر جنود في الكمين، ليبرز بعدها الخبر الأهم بالخط العريض: “فقدان 4 جنود في غزة”.
الاشتباكات لا تزال مستمرة وفقًا لوسائل الإعلام التي تنقل عن وسائل إسرائيلية أن الحدث من أصعب الأحداث منذ السابع من تشرين الأول 2023، وأن الخشية تزداد لدى الجيش من سقوط 4 جنود على الأقل في يد حماس بعد فقدان الاتصال بهم وأن أعمال بحث واسعة عنهم لا تزال جارية.
لم تنته الأحداث الأمنية في حي الزيتون عند هذا الحد، بل وفقًا لوسائل الإعلام فإن موقعًا رابعًا شهد حدثًا أمنيًا صعبًا آخر، وبعد 3 ساعات من بداية الكمين كانت الاشتباكات مستمرة وجهًا لوجه بالرشاشات بين كتائب القسام وجيش الاحتلال.
ويمكن وصف التغطية بعد ذلك بـ “البرود” تحديدًا مع النقل عن وسائل إعلام إسرائيلية بأن جيش الاحتلال بدأ بسحب جنوده من حي الزيتون وإعادتهم إلى مواقعهم، وعودة الاتصال بالجنود الأربعة.
استمرت التغطية بأن الرقابة العسكرية الإسرائيلية تفرض حظر النشر بشأن ما جرى مع الجنود الأربعة المفقودين، ونشر كتائب القسام لصورة تحمل عبارة: “نذكر من ينسى .. الموت أو الأسر”.
لتتآكل التغطية شيئًا فشيئًا بعدما خلصت إلى وقوع قتيل و11 مصابًا و4 جنود مفقودين خلال الكمين في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة.
الفجر في حي الزيتون كان مختلفًا
نام الجمهور على تحول استراتيجي في حرب الإبادة على قطاع غزة، وبقي الإعلان عنه فقط إما من قبل جيش الاحتلال أو من قبل المتحدث باسم كتائب القسام، إلا أن الواقع كان عكس ذلك. فما الذي خلق هذه الفجوة بين أرض الواقع والتغطية الإعلامية؟
أولًا: اعتمدت وسائل الإعلام وعلى رأسها قناة الجزيرة النقل عن ما قالت إنه “وسائل إعلام إسرائيلية”، ولم تذكر اسم وسيلة إعلامية واحدة.
ثانيًا: تكون قناة الجزيرة قد اعتمد في نقل الأحداث على مواقع على منصات التواصل الاجتماعي يديرها أشخاص وليست وسائل إعلام إسرائيلية رسمية.
ثالثًا: وقع الحدث ليلة الجمعة – فجر السبت 30.8.2025، ومع دخول كل سبت تتوقف وسائل الإعلام الإسرائيلية الرسمية عن التغطية.
رابعًا: لم تعتمد قناة الجزيرة في تغطيتها على مصادر رسمية إسرائيلية أو من حركة حماس، ولا حتى مراسليها أو شهود عيان من منطقة الحدث.
خامسًا: هناك مجموعة من المواقع الإسرائيلية غير الرسمية النشطة على منصات التواصل الاجتماعي مثل: “حدشوت عخشاف” و “أخبار بدون رقابة”، إلا أنها لا تعتبر مرجعًا مؤكدًا للأخبار، ويجب التعامل معها بحذر كبير والتنويه بالنقل عنها.
الرواية الرسمية حول أحداث حي الزيتون
بحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” فقد أصيب 7 جنود في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة، جراء انفجار عبوة ناسفة، وذكرت الصحيفة أن جندياً واحداً أصيب بجروح متوسطة، بينما أصيب الستة الآخرون بجروح طفيفة، وأضافت أن 5 من الجنود تلقوا العلاج وخرجوا من المستشفى.
فيما أعلن جيش الاحتلال مساء السبت 30.8.2025 عن مقتل الجندي أرييل لوبلينر برتبة رقيب أول جنوب قطاع غزة، ليرتفع عدد قتلى جيش الاحتلال إلى 900 ضابط وجندي منهم 456 في قطاع غزة منذ بدء العملية البرية على القطاع بتاريخ 27.10.2023.
أما كتائب القسام فقد نشرت بالتزامن مع الحدث فجر السبت 30.8.2025 صورة تحمل عبارة: “نذكر من ينسى .. الموت أو الأسر”، فيما ذكرت مساء السبت أن مقاتليها تمكنوا من “تدمير ناقلة جند الجمعة بعبوة أرضية شديدة الانفجار في محيط جامعة غزة جنوب حي الزيتون ورصد هبوط الطيران المروحي للإخلاء”.