خلال تصريحها لبرنامج “شد حيلك يا وطن” الذي يبث عبر شبكة وطن الإعلامية، أكدت رئيسة جمعية حماية المستهلك في فلسطين، الدكتورة فيحاء البحش، أن نسبة مقاطعة البضائع الإسرائيلية بلغت أكثر من 90% في المجتمع الفلسطيني بعد العدوان على غزة، مدفوعةً بحملات توعوية مكثفة تُبرز أهمية هذه المقاطعة وتأثيرها.
يتحقق مرصد كاشف في هذا التقرير في دقة هذا التصريح بالنظر إلى آلية احتساب النسبة، وهل كانت عبارة عن مسحا ميدانيا أم دراسة معمقة، وما نسبة الخطأ فيها، والمناطق التي شملتها، وجنس الأفراد الذين استهدفتهم، وهل هم أصحاب القرار الشرائي داخل الأسرة أم لا.
الادعاء:
تدعي رئيسة جمعية حماية المستهلك، فيحاء البحش أن نسبة المقاطعة في المجتمع الفلسطيني بلغت أكثر من 90%، بعد العدوان على قطاع غزة.
تفاصيل التحقق:
من أجل التحقق من صحة هذا التصريح، قمنا في مرصد كاشف بالعديد من الخطوات:
أولًا: تواصلنا مع المنسّق العام للجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل (BDS)، محمود نواجعة، الذي أكد عدم امتلاكهم في BDS أرقاما أو نسب دقيقة خاصة بهم لمدى انتشار المقاطعة، مبينا أنه من الصعب للغاية معرفة النسبة بشكل دقيق، نظرا لعوامل وتحديات عديدة تواجههم في هذا السياق.
في الوقت ذاته أشار نواجعة إلى أنه من الضروري معرفة ما هي المناطق التي شملتها دراسة حماية المستهلك، وهل تتضمن قرى وبلدات القدس مثلا، التي تقل فيها نسبة المقاطعة مقارنة مع غيرها من المحافظات، بالإضافة إلى معرفة طبيعة المنتجات التي شلمتها هذه الدراسة بالتحديد.
ثانيًا: تواصلنا مع رئيس دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، ابراهيم القاضي، لمعرفة ما إذا كانت هناك أية دراسات صدرت عن الجهات الرسمية بهذا الخصوص، فأكد القاضي أن هذا الرقم غير صحيح بالمطلق ومبالغ فيه جدا.
وأشار القاضي إلى أن حجم المضبوطات المنتهية الصلاحية من المنتجات الاسرائيلية ارتفع خلال الشهور الثلاثة الماضية إلى أكثر من 300 طن، بالتالي من المؤكد أن جهود حملات المقاطعة تلعب دورا في ذلك، ولكن تداول الأرقام الصحيحة يساعدنا في تحديد الأهداف ورصد الانجازات بشكل دقيق، بدلا من نشر ادعاءات مضللة.
وليس لدى وزارة الاقتصاد أي أرقام دقيقة حول مدى انتشار المقاطعة في الضفة الغربية ومدى التزام المواطنين بها، ولكن المؤكد أنها تتفاوت من منطقة إلى أخرى ومن وقت إلى آخر، وفقا للقاضي، وترتبط بشكل كبير مع الظروف والاحداث التي تجري في الساحة السياسية، وأكد أن حجم المقاطعة في الشهرين الأخيرين انخفض نوعا ما مقارنة مع ما كان عليه بداية الحرب على غزة.
من ناحية أخرى أشار القاضي إلى أنه من خلال متابعتهم مع وكلاء الشركات الاسرائيلية مثل “تبوزينا وتنوفا وشتراوس”، فإن حجم مبيعاتها انخفضت بنسبة تتراوح بين
%40 إلى 50% خلال الحرب على غزة.
ويعزو القاضي هذه الخسارة والانخفاض في حجم المبيعات، إلى جهود حملات المقاطعة بالدرجة الاولى، وإلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين بعد الحرب بالدرجة الثانية، ما جعلهم يبحثون عن بدائل أقل سعرا، بالإضافة إلى منع وزارة الاقتصاد أي حملات وعروض على المنتجات الإسرائيلية كنوع من الدعم للمنتج الوطني.
وأكد القاضي أن حصة المنتج الاسرائيلي في السوق حتى الآن تصل إلى 35% مقابل 22% بحد أقصى للمنتج الوطني، أما المنتجات المستوردة فلها حصة الأسد من سوقنا الفلسطيني “أكثر من 40%”.
ثالثًا: تواصلنا مع جمعية حماية المستهلك وتحديدا، الناطق الاعلامي باسم الجمعية، محمد شاهين، للحصول على إجابات واضحة لبعض التساؤلات الواردة في تصريح البحش.
وأكد شاهين أنه أولا يوجد حالياً دراسة علمية منهجية يمكن الاستناد لها لمعرفة نسبة المقاطعة في المجتمع الفلسطيني.
وقال: “بالإضافة إلى ذلك فإن هذه النسبة التي أعلنت عنها البحش غير دقيقة بالمطلق”، متابعا: “يا ريت لو نصل بالفعل لهذه النسبة ولكن الرقم غير صحيح ابدا”.
ورجح شاهين أن تكون البحش أجرت مسحا ميدانيا في مدينة نابلس واستخرجت الأرقام وفقا له، ولكن من المؤكد أنه رقم مبالغ فيه بشكل كبير، حيث لا يتوقع أن تتجاوز نسبة المقاطعة في احسن الاحوال 50%.
وقال: مع الأسف الاشكالية في موضوع المقاطعة انها موسمية وعبارة عن ردود فعل وليست فعل ممنهج، لهذا السبب ترتفع النسبة بشكل كبير أحيانا ثم تعود لتنخفض مرة اخرى.
رابعًا: تواصلنا مع رئيسة جمعية حماية المستهلك د. فيحاء البحش، التي أكدت أن المؤسسة نفذت العديد من النشاطات في الآونة الأخيرة، في مدينة نابلس، سألت من خلالها نحو 300 من الإناث من طالبات المدارس وربات البيوت حول مقاطعتهن للبضائع الاسرائيلية من عدمها، “مسح ميداني”.
وقدرت البحش أنه وفقا لإجابات المستطلعة آراؤهن توصلت الجمعية إلى أن أكثر من 90% من المجتمع الفلسطيني يقاطع بضائع الاحتلال.
طلبنا من البحش تزويدنا بنسخة من هذا المسح للاطلاع عليه بدقة، غير أنها اكتفت بتزويدنا بالأسئلة التي وردت فيه، وهي في غالبيتها أسئلة مفتوحة الإجابة ولا يمكن رصد نتائجها بشكل كمي واستخراج نسب مئوية، مثال:
- هل تقاطع البضائع الإسرائيلية؟… إذا كانت الإجابة “نعم”، ما هو السبب؟
- منذ متى بدأت المقاطعة؟ هل تتأثر سلوكياتك الشرائية بسبب المقاطعة؟
- كان هناك تحديد لإجابات بعض الأسئلة مثل:
– نعم، أقاطع جميع البضائع الإسرائيلية.
– نعم، أقاطع بعض البضائع فقط.
– لا، لا أقاطع البضائع الإسرائيلية.
– أحتاج لمزيد من التوضيح.
لم نستطع الحصول على إجابة مؤكدة من البحش حول ما إذا كانت هذه النسبة “90%” لمن يقاطع جميع البضائع، أم من يقاطع “كلها أو بعضها”.
ووفقا للبحش كانت اللقاءات في الشوارع والمراكز التجارية وبعض طالبات من جامعة النجاح، وأوضحت البحش أن مجموع من أجاب نعم مقاطع 288 من أصل 320.
خامسًا: تواصلنا مع الباحث فراس جابر مدير مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية، لمعرفة إلى أي مدى يمكن تعميم نتائج المسح الذي أجرته البحش على المجتمع الفلسطيني، كما فعلت البحش، فأجاب أن الرقم غير دقيق ولا يمكن تعميمه علميا، بالإضافة إلى كونه اقتصر فقط على مدينة نابلس ولم يشمل أي مدن أخرى، بالإضافة إلى أن اللقاءات لم تجرى مع أصحاب القرار الشرائي داخل الأسرة “رب أو ربة الأسرة”.
وأوضح جابر أن الطريقة الوحيدة لمعرفة النسبة الحقيقية للمقاطعة في المجتمع الفلسطيني، هي رصد حجم الانخفاض في مبيعات وكلاء الشركات الاسرائيلية ومقارنتها مع حجم الارتفاع في مبيعات الشركات الفلسطينية لأخذ مؤشرات أكثر دقة حول هذا الأمر.
سادسًا: من أجل الحصول على أرقام المبيعات بشكل دقيق للشركات الاسرائيلية مقارنة مع الفلسطينية، تواصلنا مع إحدى الشركات الفلسطينية لمراكز التسوق، والتي تمتلك تسعة منافذ بيع في المدن الرئيسية في الضفة الغربية.
حيث أكد المدير المالي للشركة، استنادا إلى تقارير المبيعات لديهم، أن نسبة الانخفاض في أرباح وكيل شركة تنوفا للألبان الاسرائيلية بلغ 78% مقابل زيادة في أرباح الجنيدي بنسبة 74%، حيث أحرزت الألبان موقعا متقدما من بين المنتجات الاسرائيلية التي تمت مقاطعتها.
من ناحية أخرى بلغت نسبة الانخفاض في أرباح وكيل شتراوس 40% مقابل ارتفاع 35% في مبيعات الأرز.
وأوضح أن جميع المنتجات الاسرائيلية حدث فيها انخفاض في نسبة المبيعات ولكن بنسب متفاوتة، وبالمقابل هناك زيادة واضحة في الإقبال على المنتج الفلسطيني، مبينا أن المقاطعة لعبت دورا كبيرا في ذلك، ولكن في نفس الوقت تراجع القوة الشرائية للمستهلك في ظل الحرب ساهم أيضا في العزوف عن المنتجات الإسرائيلية لارتفاع أسعارها.
سابعًا: التواصل مع المختص بالشأن الاقتصادي أيهم أبو غوش، الذي أكد على نجاح المقاطعة في تخفيض نسب الأرباح للعديد من المنتجات الاسرائيلية، مشيرا في الوقت ذاته أن الأرقام التي يتم تداولها مضللة.
وبين أبو غوش أن هناك مؤشرات علمية يمكن الاستفادة منها لمعرفة حجم المقاطعة، وذلك بالرجوع إلى بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، ومعرفة حجم الانخفاض في الواردات من “إسرائيل”، بعد الحرب على غزة، مقارنة مع ما كان عليه قبل الحرب.
وقال: لأن المنطق العلمي يقول إن ارتفاع نسبة المقاطعة ستخفض الطلب على المنتجات الإسرائيلية، بالتالي سيقلل التجار حجم الواردات من دولة الاحتلال لهذه المنتجات.
ثامنًا: بحثنا في الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، ووجدنا في تقرير الواردات والصادرات وجود انخفاض بالفعل في كلا الصادرات والواردات، بين ما قبل الحرب وما بعد الحرب، كما في الجدول أدناه.
وبمقارنة آخر إحصائية متوفرة للواردات من “إسرائيل” في شهر آب الجاري، مع شهر آب المنصرم 2023، وفقا للجدول أعلاه، فإن هناك انخفاض بمقدار 70 مليون دولار أمريكي، أي ما نسبته 16% من حجم الواردات.
أما بالرجوع إلى الربع الأول من 2024، ومقارنته مع الربع الأول من 2023 “ما قبل الحرب”، فإن نسبة الانخفاض في الواردات من “إسرائيل” بلغت 25%.
أجرينا احتسابا أيضا لحجم الانخفاض في الواردات، في الربع الثاني من 2024، مقارنة مع الربع الثاني من 2023، فبلغت النسبة 22% انخفاضا من حجم الواردات.
ووفقا لتحليل أبو غوش، فإن الانخفاض في هذه النسب هو نتيجة المقاطعة إلى جانب انخفاض القدرة الشرائية بشكل عام للمواطنين، التي أثرت أيضا على حجم الواردات.
كما أكد أبو غوش على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار معدل حجم إنفاق الأسرة الفلسطينية على السلة الغذائية، والتي تبلغ 28% من مجمل إنفاقه الشهري.
خلاصة التحقق:
– التصريح المتعلق بانتشار مقاطعة البضائع الإسرائيلية، بنسبة أكثر من 90% مضلل.
– لا يمكن معرفة الرقم الدقيق لحجم المقاطعة، نظرا لاعتبارات اقتصادية عديدة، ولكن هناك مؤشرات يمكن الاستناد عليها.
– وفقا لوزارة الاقتصاد، فإن نسبة الخسائر التي سجلها وكلاء الشركات الاسرائيلية تتراوح بين 40 إلى 50%.
– لا تزال حصة المنتج الاسرائيلي في السوق 35% مقابل 22% بحد أقصى للمنتج الفلسطيني، حسب وزارة الاقتصاد.
– هناك انخفاض في حجم الواردات من “اسرائيل” بنسبة 22% حسب آخر إحصائية ربعية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
– لا يمكن تجاهل دور المقاطعة في خفض الواردات من دولة الاحتلال، في الوقت الذي لا يمكن تجاهل انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين بعد الحرب، ما أدى إلى مزيد من الانخفاض في قيمة الواردات.
– هناك توافق بين عدة مصادر في التحقيق على أن نسبة المقاطعة تتراوح تقديريا بين 40 إلى 50% على المنتجات الاستهلاكية للأسر الفلسطينية.
تصنيف التصريح:
التصريح | التصنيف |
أكثر من 90% نسبة مقاطعة البضائع الاسرائيلية في المجتمع الفلسطيني. | مضلل |