على مدار الشهور الماضية، وعلى وجه التحديد منذ شهر حزيران 2024، شهدت الأسواق الفلسطينية في مختلف مناطق الضفة الغربية، ارتفاعاً كبيراً في أسعار الخضراوات، وعلى رأسها البندورة، حيث وصل ثمن الكيلو الواحد في بعض الأحيان 15 شيقل، وهو سعر مرتفع نسبة إلى القدرة الشرائية للمواطنين، التي انخفضت بمقدار 40% بعد الحرب على غزة “وفقا لوزارة الاقتصاد”، إضافة لارتفاع أسعار باقي الأصناف بشكلٍ مشابه، واستمرت هذه الحالة على مدار شهور الصيف.
في أعقاب ذلك، رصد كاشف تصريحات للناطق الاعلامي في وزارة الزراعة محمود فطافطة، على منصات عديدة، منها “بوابة اقتصاد فلسطين، ووطن والحياة الجديدة ونوى والترا فلسطين“، وفي أوقات مختلفة، يؤكد فيها أن السبب الرئيس لارتفاع أسعار الخضروات في الضفة الغربية، هو ارسال شاحنات من المساعدات لقطاع غزة، بالإضافة إلى بعض العوامل الجوية وتلك المرتبطة بمواسم الزراعة الصيفية والشتوية، وهو ما دعانا في كاشف للتحقق من هذا الأمر.
الادعاءات
- تدّعي وزارة الزراعة على لسان الناطق باسمها، أن السبب الرئيس لارتفاع أسعار الخضروات في الضفة الغربية هو إرسال شاحنات من المساعدات الحكومية من الضفة الغربية إلى غزة، إلى جانب عوامل أخرى أهمها المناخ.
- تدّعي وزارة الزراعة أن جزء من أزمة ارتفاع أسعار الخضروات في الضفة الغربية سببها فقدان كمية الخضروات التي كانت تأتي إلى الضفة من غزة، حيث أكد الناطق باسم الوزارة أن 35% من المنتجات الزراعية في الضفة الغربية مصدرها غزة.
تفاصيل التحقق:
أولاً: التحقق من وجود ارتفاع في أسعار الخضراوات في السوق الفلسطينية:
راجع مرصد كاشف تقرير غلاء المعيشة الشهري الصادر عن جهاز الإحصاء المركزي، الذي يؤكد وجود ارتفاع في أسعار الخضروات بالضفة الغربية أنه في شهر آب المنصرم على سبيل المثال، سجل مؤشر غلاء المعيشة ذروة الارتفاعات في أسعار سجل الرقم القياسي في أسعار المستهلك في الضفة الغربية.
وكانت نسبة هذا الارتفاع 1.55 خلال شهر آب، مقارنة مع شهر تموز عام 2024، ويعزى ذلك إلى ارتفاع أسعار الخضروات الطازجة بنسبة 38.57% و اسعار البطاطا 19.93%.
وكان متوسط أسعار السلع في ذلك الشهر، كالتالي: البندورة العناقيد 10 شيقل/كغم، والكوسا 8 شيقل/كغم، والباذنجان 4 شيقل/كغم، والزهرة 7 شيقل/كغم، والملفوف 6 شيقل/كغم، وخيار بيوت بلاستيكية 5 شيقل/كغم، والبطاطا 6 شيقل/كغم، والبيض 21 شيقل/2كغم، والبصل الناشف 4 شيقل/كغم، والدجاج 16 شيقل/كغم، والبلح 12 شيقل/1كغم، والافوكادو 19 شيقل/1كغم، وزيت الزيتون 35 شيقل/كغم.
ثانيا: التحقق من سبب ارتفاع الخضروات في الضفة الغربية:
تواصل مرصد كاشف مع العديد من الجهات المختصة بالشأن الزراعي والمساعدات الإنسانية، للتحقق من صحة الادعاء:
- المزارع والناشط المجتمعي، محمد أبو ثابت، أكد أن كميات الخضروات التي كان يُسمح بإدخالها إلى قطاع غزة كميات قليلة جداً ولفترات متقطعة بسبب إجراءات الاحتلال بحصار القطاع، بالتالي لا يمكن القول أن توريد الخضار لغزة هو سبب هذا الإرتفاع. ووفقا لأبو ثابت فإن بعض التجار في الضفة الغربية يقومون بشراء المحاصيل من المزارعين الفلسطينيين، وبيعها إلى الجانب الإسرائيلي مباشرة أو إلى تجار فلسطينيين من الداخل وهو ما حال دون وصول هذه المحاصيل إلى الأسواق المركزية “الحسبة” في المدن الفلسطينية، بالتالي انخفاض العرض أدى إلى هذا الارتفاع. وأضاف أن بعض المحاصيل تأثرت فعلاً بالظروف الجوية وخاصة البندورة، ما تسبب بانخفاض كميات الإنتاج.
- المهندس الزراعي، سعد داغر، الذي أكد أن السبب الرئيس في ارتفاع الأسعار هو بيع المحاصيل إلى السوق الإسرائيلية. ولكن أوضح أن الحرارة العالية أدت بالفعل إلى تراجع في الإنتاج، ولكنه ليس السبب الرئيس لارتفاع الاسعار في الاسواق، ولا حتى ارسال شحنات المساعدات إلى غزة.
- المدير التنفيذي لجمعية اتحاد المزارعين الفلسطينيين، عباس ملحم، قال حول هذا الموضوع: “أنا لا أدعم بالمطلق فكرة أن سبب ارتفاع أسعار الخضراوات في السوق الفلسطينية هو إرسال شحنات المساعدات إلى غزة، لأنه أصلا هناك قيود كبيرة حول هذا الموضوع، مبينا أن العوامل الجوية كان لها تأثيرا في هذا الأمر. وحول قضية بيع الخضروات إلى السوق الاسرائيلية بين ملحم أن هذا أمر قانوني حسب الاتفاقيات التي وقعت عليها السلطة مع الاحتلال، “التبادل التجاري”، بالتالي لا يمكن ملاحقة التجار الذين يبيعون الخضروات إلى الداخل على اعتبار أنها ليست جريمة ولا يحاسب عليها القانون.
- الناطقة باسم وزارة التنمية الاجتماعية في غزة، عزيزة كحلوت، أكدت أن وزارة التنمية الاجتماعية وهي الجهة المخولة بالإشراف على المساعدات في غزة، لم تستقبل أي شاحنات مساعدات من حكومة رام الله، منذ إغلاق الاحتلال معبر رفح في 5 أيار من العام الجاري 2024. كما أكدت كحلوت أنه حتى قبل هذا التاريخ فإن كميات الخضروات التي كانت ترسلها الحكومة قليلة جدا ولا تكاد تذكر، حيث أن جل المساعدات كانت تركز على السلع الغذائية الرئيسة من طحين ومعلبات وأرز ومعكرونة وغيرها.
- القائمة بأعمال مدير مكتب الإعلام في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا، إيناس حمدان، قالت إنه منذ بدء الحرب على غزة، وصل قرابة 47 ألف شاحنة إنسانية حتى تاريخ الثالث عشر من كانون الأول الجاري، من خلال الأونروا ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. وأكدت حمدان أن الأونروا لم تستقبل أي مساعدات إنسانية محملة بالخضروات لقطاع غزة منذ بداية الحرب، من أي جهة كانت، وأن المؤسسات التي تزود غزة بالخضروات كمساعدات إنسانية قليلة جدا. كما أوضحت أن النسبة الأكبر من الخضروات تدخل غزة عبر الشاحنات التجارية، وهذا ما يفسر الارتفاع الكبير جدا في أسعارها.
ثالثاً: التحقق من صحة معلومة أن 35% من المنتجات الزراعية الواردة إلى الضفة الغربية كان مصدرها غزة قبل الحرب:
تواصل مرصد كاشف مع العديد من الجهات المختصة بالشأن الزراعي والاقتصادي، للتحقق من صحة الادعاء:
- معهد ماس الاقتصادي، أكد أن الانتاج الزراعي في قطاع غزة من خضروات لم يكن كافياً للقطاع حتى ما قبل الحرب. وأن نسبة المنتجات الزراعية من قطاع غزة للضفة الغربية، كانت قليلة جدا ولا تكاد تذكر، ولكن لا يوجد اي احصائية دقيقة لديهم حول هذا الأمر، “يشار إلى أنهم أعدوا دراسة بعنوان” تحسين قطاعي الصناعة والزراعة في الضفة الغربية لاستيعاب العمالة وزيادة حصة المنتج الوطني في ظل الصدمات التي تعرض لها الاقتصاد الفلسطيني نتيجة العدوان المستمر على قطاع غزة.”
- الوكيل المساعد للقطاع الاقتصادي في وزارة الزراعة، طارق أبو اللبن، أكد أن غزة قبل الحرب كانت تزود الضفة الغربية ب “40 إلى 45 ألف طن” من الخضروات والفواكه، بينها 6500 طن من الفراولة والبلح.
- الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني زوّد المرصد بتقرير الإنفاق الأسري الشهري في الضفة الغربية على السلع الغذائية، لعام 2023. ووفقا للأرقام التي يعرضها التقرير فإن متوسط احتياج الأسرة الفلسطينية الواحدة في الضفة الغربية من الخضروات الرئيسية، شهريا، يبلغ 39.88 كيلو، ووفقا لهذه الأرقام فإن احتياج الأسرة السنوي من هذه الخضروات يبلغ 478.608 كيلو غراما.
وبالرجوع إلى بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن عدد سكان الضفة الغربية يبلغ وفقا للتقرير الأخير 3188387 نسمة، وبالقسمة على متوسط حجم الأسرة الفلسطينية وهو 5.2 وفقا لمؤشرات جهاز الإحصاء، فإن عدد الأسر الفلسطينية 613151 أسرة.
وبضرب متوسط الاحتياج السنوي للأسرة الواحدة بعدد الأسر الفلسطينية، يكون الناتج كالتالي
478.608*613151= 293458973.8080 كيلو غراما/ بالطن يساوي 293458.9
ووفقا لهذه المعادلة فإن مساهمة غزة من احتياج الضفة الغربية من الخضروات الرئيسية هي 12.4% فقط من متوسط الاستهلاك السنوي للأسر الفلسطينية في الضفة الغربية.
نتيجة التحقق:
- الادعاء بوجود ارتفاع في أسعار الخضروات منذ شهور، صحيح.
- ادعاء وزارة الزراعة أن السبب الرئيس لارتفاع أسعار الخضروات هو إرسالها عبر شاحنات المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى غزة مضلل.
- عدد قليل جداً من الشاحنات الإنسانية التي وصلت غزة كانت تحمل الخضروات، حسب تأكيد الأونروا ووزارة التنمية الاجتماعية.
- ادعاءات وزارة الزراعة أن غزة كانت تساهم ب 35% من المنتجات الزراعية في الضفة الغربية، مضلل. النسبة الحقيقية لا تتعدى 12.4% فقط.
- السبب الرئيس لارتفاع أسعار الخضراوات في السوق الفلسطيني حسب تأكيد جميع المصادر هو بيعها إلى السوق الإسرائيلي عبر تجار فلسطينيين أو اسرائيليين.
- موجات الحر التي حدثت خلال الفترة الماضية فاقمت الأزمة، وزادت من حدة ارتفاع الأسعار ولكنها ليست السبب الرئيس لذلك.