كاشف
    المرصد الفلسطيني للتحقق والتربية الإعلامية – كاشف، منصة مستقلة تهدف إلى مكافحة المعلومات المضللة وتعزيز مبادئ أخلاقيات النشر.
    تواصل معنا
    واتسب: 00970566448448
    ايميل: info@kashif.ps
    عناويننا
    المكتب الرئيسي: فلسطين - نابلس - رفيديا - عمارة جودة - ط1.
    المكتب الفرعي: رام الله - المصيون - عمارة الطيراوي-ط1.

    وصال ضهير

    في خيمة صغيرة وسط مواصي خانيونس، يجلس الطفل علاء أبو العنين شارد النظرات، يتحسس بيده الجزء الغائر من رأسه حيث استقرت رصاصة قناص جندي إسرائيلي قبل أن تنتزعها أيادي الأطباء تاركة فجوة في جمجمته.

    يستعيد علاء تفاصيل يوم النزوح 23 رمضان 2025، يوم اخطفت الرصاصة طفولته للأبد.

    يقول أبو العنين: “كنا نجهز أنفسنا للنزوح من جديد من مدينة رفح بعد أن اخترقوا الهدنة. أجبرونا على الخروج من منازلنا في تل السلطان، حملنا ما استطعنا من أمتعة وسرنا نحو شارع غوش قطيف كما طلب منا، رأينا الجنود يقيمون الحواجز والسواتر الرملية، “الكواد كابتر” فوقنا والدبابات أمامنا، وأنا أسير بجوار أختي التوأم وأختي الصغيرة ووالدي وزوجته”.

    لكن الرصاص لم يمهلهم طويلاً.

    يضيف علاء: “قنصوا شاباً عشرينياً بجانبي فسقط شهيداً. لم نتمكن من مساعدته، كنا نمشي ورؤوسنا إلى الأرض نحاول النجاة. كنت التزم بكل التعليمات التي قالوها لنا، لكن الرصاصة أصابتني في عيني اليمنى واستقرت في رأسي. لم أسقط مباشرة، ظللت أنزف وأنا أواصل السير خوفاً من أن يقتلوني إن توقفت”.

    بين زحام النازحين عثر والد علاء على “توكتوك” يقل المصابين إلى مصلى صغير تحول إلى نقطة إسعاف أولية، وهناك أسعفه ممرض بما تيسر من أدوات.

    تخلى أحد الرجال عن أغراضه ليمنحه كرسياً متحركاً يساعده على الوصول مع عائلته لبر الأمان.

    غير أن رحلة العذاب لم تنته عند الإصابة، على أحد الحواجز أجبر الجنود العائلة  كما باقي النازحين على الانقسام لنصفين: الرجال في جهة والنساء والأطفال في جهة أخرى، حاول الأب التمسك بابنه، لكن الجنود هددوه بالقتل إن لم يرسله للجهة الأخرى.

    بينما تكفلت زوجة والده بنقله تحت تهديد السلاح وإهانات الجنود، يقول علاء: “عندما وصلت لزوجة والدي وضعت غطاء رأس علي لتحميني من أشعة الشمس محاولة منها لتخفيف الألم عني”. عند وصولنا “للحلابة” أمر الجنود زوجة أبي برفع غطاء رأسي ليتأكدوا من هويتي، وعندما امتثلت لأوامرهم سألوها: “من فعل هذا به؟! “، أخبرتهم أنتم من فعلتم ذلك، أنتم من صوبتم فوهات بنادقكم تجاه طفلي وأصبتموه.

    صرخ بها أحد الجنود الذي كان يتحدث اللهجة الفلسطينية بطلاقة: “اخرسي نحن لم نفعل ذلك، الإرهابيون الذين تحمونهم هم من فعلوها، سنقضي عليكم ونقتلكم جميعاً، لن يبقى أحد منكم في غزة” وبدء بشتمها بأفظع الألفاظ، حاولت مجادلته واخباره أننا جميعاً مدنيون صرخ في وجهها مرة أخرى قائلاً: “غوري من هان وإلا رح أعتقلك أنت والولد”.

    حاولنا عبور الحلابة بعد هذا الكم من الصراخ والشتائم، جاءنا جندي آخر لكن هذه المرة يتحدث العربية بصعوبة، ظل يصرخ في وجه زوجة أبي “هذا مش ابنك اتركيه وروحي والا بطخك”، رفضت زوجة والدي المغادرة وأخبرتهم أنني طفلها، لن تتركني إما أن تخرج بي أو يقتلونها، أخبرتهم أنها لن تتخلى عني مهما حدث، فسمحوا لنا بالمرور.

    وصل علاء إلى مستشفى غزة الأوروبي دون والده ولا شقيقاته لا يعلم مصيرهم هل نجوا أم قتلوا، دخل الفتى غرفة العمليات حيث أجريت له جراحة معقدة أزيل فيها جزء من جمجمته لاستخراج الرصاصة. خرج علاء بعينه سليمة، لكن رأسه ظل ناقصاً.

    يتابع علاء ببكاء: قال لي الطبيب  يمكن تعويض الجزء المفقود بالبلاتين، لكنني أريد رأسي كما كان، لا أريد شيئاً غريباً داخله.

    يعيش علاء اليوم حياة مؤلمة، لم يعد قادراً على مشاركة أقرانه اللعب خارج الخيمة، يراقبهم من بعيد، يخشى أي ضربة عابرة قد تهدد ما تبقى من رأسه.

    رابط المقالة المختصر: https://kashif.ps/6d9c
    شاركها.
    Chat Icon