منذ السابع من تشرين الأول 2023، ظهرت حسابات مجهولة المصدر تنشر بشكل مكثف وممنهج معلومات مضللة تستهدف الفلسطينيين وتحديدًا المتواجدين في قطاع غزة. تتهم هذه الحسابات الفلسطينيين بالتمثيل وتزييف المشاهد التي ينشرونها. واتخذت أشكال وسياقات تضليل مختلفة وصلت إلى إنكار قضايا أكدتها منظمات عالمية دون تقديم أي دليل حقيقي كالمجاعة في قطاع غزة.
ويعد حساب “Gazawood” الذي أُنشئ في تشرين الثاني 2023 بعد بداية العدوان على قطاع غزة من أبرز هذه الحسابات.رصد فريق مرصد كاشف منذ بداية العدوان على قطاع غزة عشرات المواد المضللة التي نشرها حساب “Gazawood” تنوعت بين مقاطع الفيديو وصور أخرجت عن سياقاتها ووظفت لدعم رواية الاحتلال الإسرائيلي.
حساب “Gazawood” ينكر وجود مجاعة في قطاع غزة
نشر حساب “Gazawood” على منصة “X” بتاريخ 9.9.2024 مقطع فيديو يظهر سقوط طفل على الأرض كان يحمل وعاء من الطعام، ليسقط الوعاء من يديه أيضًا، وتضمن الفيديو النص التالي: “بعض الفلسطينيين يقومون بتعليم أطفالهم إلقاء الطعام بهدف إنتاج فيديوهات دعائية تهدف إلى إثارة الاهتمام الإعلامي”.
كما وأرفق حساب “Gazawood” المقطع بالنص التالي: “هل هناك حقا نقص في الغذاء هناك؟” منكرًا وجود مجاعة في قطاع غزة.
ما هو واقع المجاعة في قطاع غزة وفقًا للمنظمات العالمية؟
أثبت مرصد كاشف أن ادعاء حساب “Gazawood” مضلل، من خلال استعراض تقارير وبيانات وإحصائيات صدرت عن منظمات عالمية.
أنذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بتفاقم خطر حدوث مجاعة في جميع أنحاء قطاع غزة في بيان نشرته بتاريخ 26.6.2024، بسبب استمرار العدوان وتقييد وصول المساعدات الإنسانية، بعد تقرير صدر عن المبادرة العالمية للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي.
وحذر السيد ماكسيمو توررو رئيس الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة من أن أي تدهور في الأوضاع قد يدفع بالمزيد من السكان إلى مستويات كارثية من الجوع في ظل معاناة جميع السكان تقريبًا (96%) من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وبين تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي أن 495 ألف شخص من سكان القطاع في مرحلة كارثية من انعدام الأمن الغذائي.
في حين أعلن خبراء من الأمم المتحدة في بيان نُشر بتاريخ 2024.7.9 عن تفشي المجاعة في قطاع غزة، مشيرين إلى وفاة عدد من الأطفال الفلسطينيين جراء الجوع وسوء التغذية. وبين الخبراء أن وفاة أي طفل بسبب سوء التغذية والجفاف يشير إلى انهيار الهياكل الصحية والاجتماعية بشكل خطير.
وأكدوا أن دولة الاحتلال تشن حملة تجويع متعمدة ومحددة الهدف ضد الشعب الفلسطيني واعتبروها أحد أشكال عنف الإبادة الجماعية، وأدت الحملة إلى تفشي المجاعة في كامل قطاع غزة. وأعلن الخبراء عن “وفاة 34 فلسطينيًا منذ السابع من تشرين الأول بسبب سوء التغذية، معظمهم من أطفال”.
نشرت قناة الجزيرة بتاريخ 2024.6.5 تقريرًا أوضح أن شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة المعتمدة دوليًا التي تمولها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بينت في تقرير صدر عنها أنه “من المحتمل أن تكون المجاعة أمرا واقعا في شمال غزة، وإن الناس بمن فيهم الأطفال يموتون جوعا في كافة أنحاء القطاع”.
وأكد تقرير الشبكة أن العدوان على قطاع غزة والقيود المفروضة على وصول المنظمات التي تعنى بالشؤون الإنسانية أعاقت جمع البيانات لإثبات وجود مجاعة.
في حين قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بتاريخ 6.6.2024 إن 9 من كل 10 أطفال في غزة لا يستطيعون تناول العناصر الغذائية من مجموعات غذائية كافية لضمان نموهم وتطورهم بشكل صحي.
وأضافت: “في قطاع غزة، أدت أشهر من الأعمال القتالية والقيود المفروضة على المساعدات الإنسانية إلى انهيار النظامين الغذائي والصحي مما أدى إلى عواقب كارثية على الأطفال وأسرهم”.
قالت إيناس حمدان القائمة بأعمال مدير مكتب الإعلام بالأونروا في غزة لـ “عربي 21” بتاريخ 13.7.2024 إن “الوضع الإنساني في غزة مأساوي وكارثي للغاية، ويجب وقفه في أسرع وقت، وإن لم يتم التدخل العاجل فسنواجه كارثة حقيقية ومرعبة”.
وأكدت حمدان أن “مظاهر المجاعة بدأت تتفشى في غزة بشكل خطير، وربما تحصد أرواح الآلاف من الفلسطينيين”.
وكانت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) قد أعلنت بتاريخ 2024.5.22 أنها غير قادرة على توزيع الغذاء في رفح بسبب عدم تمكنها من الوصول إلى مراكز التوزيع نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية. وأكدت المتحدثة باسم الوكالة لويز ووتردج أن الوضع في رفح يتدهور بشكل ملحوظ منذ أوامر الإخلاء الإسرائيلية في 6 أيار. وقالت ووتردج: “ليس هناك أمان، وبالإضافة إلى ذلك، لا نتمكن من الوصول دون عوائق للمساعدات من خلال المعابر. وهذا في الحقيقة يضر بقدرتنا على العمل”.
وتحدث تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” نُشر بتاريخ 2024.4.9 عن سياسة التجويع وسوء التغذية الحاد في قطاع غزة، حيث أشار إلى وفاة أطفال نتيجة مضاعفات مرتبطة بالتجويع.
وقال عمر شاكر مدير شؤون إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش: “ثبت أن استخدام الحكومة الإسرائيلية التجويع كسلاح حرب يقتل الأطفال في غزة. على إسرائيل إنهاء جريمة الحرب هذه، ووقف هذه المعاناة، والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى جميع أنحاء غزة دون عوائق”.
فيما نقلت المنظمة عن أطباء وعائلات في غزة أن الأطفال والأمهات الحوامل والمرضعات يعانون من سوء التغذية الحاد والجفاف وأن المستشفيات غير مجهزة لعلاجهم.
ودعت الحكومات المعنية إلى فرض عقوبات موجهة وتعليق نقل الأسلحة للضغط على الحكومة الإسرائيلية لضمان حصول سكان غزة على المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية.
كما وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس بتاريخ 12.6.2024 إن كثيرين من السكان في غزة يواجهون “مستوى كارثيا من الجوع وظروفا شبيهة بالمجاعة”.
وأضاف جيبريسوس “تشير تقارير إلى زيادة توصيل المواد الغذائية، لكن لا دليل حاليا على حصول الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة على الكمية والنوعية الملائمتين من الغذاء”.
وأوضح تقرير صدر عن الأمم المتحدة بتاريخ 17.10.2024 أنه من المتوقع أن يعاني 91% من سكان قطاع غزة انعدامًا حادًا للأمن الغذائي يصل إلى مستوى الأزمة. وذكر أن “خطر المجاعة سيستمر في أنحاء غزة خلال فصل الشتاء ما لم يتوقف القتال وتصل مزيد من المساعدات الإنسانية إلى الأسر”.
في ظل تقارير المنظمات العالمية السابقة التي أشارت إلى تدهور خطير في الأوضاع الإنسانية بقطاع غزة، يتضح أن سكان القطاع يواجهون أزمة غذائية وصحية غير مسبوقة وذلك بتسجيل حالات وفاة بسبب المجاعة وسوء التغذية.
إن عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة والقيود التي يفرضها على المساعدات الإنسانية تساهم في تفاقم الوضع، مما يستدعي تدخلًا دوليًا عاجلًا لتحقيق الاستجابة الفعالة لرفع الحصار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتخفيف معاناة أهالي قطاع غزة.