كاشف
    المرصد الفلسطيني للتحقق والتربية الإعلامية – كاشف، منصة مستقلة تهدف إلى مكافحة المعلومات المضللة وتعزيز مبادئ أخلاقيات النشر.
    تواصل معنا
    واتسب: 00970566448448
    ايميل: info@kashif.ps
    عناويننا
    المكتب الرئيسي: فلسطين - نابلس - رفيديا - عمارة جودة - ط1.
    المكتب الفرعي: رام الله - المصيون - عمارة الطيراوي-ط1.

    إعداد: سحر مهدي ومعاذ النجيلي

    من قلب الأزمة الإنسانية الخانقة التي تعصف بقطاع غزة منذ أكثر من عامين من الدمار، بينما يعيش الغزيون في الخيام بلا مأوى، ولا ماء، ولا كهرباء، تظهر قضية صادمة ومؤلمة وهي ابتزاز بعض النساء مقابل الحصول على طرد غذائي أو مساعدة إغاثية، واستغلال حاجتهن في الحصول على طرد غذائي يسدّ جوع أطفالهن. حيث بدأت أصوات خافتة تخرج من تحت الركام، لنساء يتحدثن عن تعرضهن للابتزاز من قِبل بعض من يدّعون العمل الخيري أو التطوعي، ممن استغلوا ضعفهن وحاجتهن وحاجة عائلاتهن للطعام أو الدواء، فتعرضنَّ للابتزاز مقابل المساعدة.

    في وقت يتحدث فيه العالم عن المجاعة والانهيار الكامل للنظام الغذائي في غزة، تتحدث نساء في الخفاء، عن وجع آخر لا يقل قسوة: “وجع الابتزاز”

    شهادات من الظل

    نشرت سيدة في إحدى المجموعات الخاصة بالنساء الغزيات منشوراً تحت اسم مجهول الهوية قالت فيه:

    “أنا أرملة، سجلت اسمي للمساعدة، رجع تواصل معي شخص قال لي: المساعدات خلصت، بس ممكن أساعدك بشكل خاص إذا أجيتي لعندي. حسيت إنه يطلب مني شيء مش محترم. ما رديت، بس بعدها ما بعتولي ولا أي طرد”. 

    وفي حادثة مماثلة ظهرت في تعليقات نساء أخريات أكدن أن بعض الأفراد ممن يزعمون أنهم يمثلون جمعيات أو مبادرات شبابية يتواصلون معهن بطرق مباشرة أو غير مباشرة، ويتم الإيحاء لهن أن الحصول على المساعدة ممكن لكن “بشروط”.

    بعض النساء يتحدثن عن إحساس بالذل والمهانة كلما احتجن للتسجيل في مبادرة أو مؤسسة غير معروفة. 

    الحديث عن هذه القضايا لا يكون بسهولة، فالكثير من النساء يفضلن السكوت، خوفًا من الفضيحة، أو فقدان الفرصة في الحصول على مساعدة، أو حتى بسبب غياب الثقة بالجهات التي يُفترض بها أن تحميهن.

    “يعني لما أشتكي على مين أشتكي؟ هو أصلاً ما في جهة نشتكي لها؟ لو حكيت، ممكن أخسر أي طرد، وأنا مش قادرة أطعمي أولادي”، كلمة قالتها نازحة تقيم في أحد مخيمات النزوح التي أقيمت مؤخرًا.

    بعض الناشطات المحليات أكدن أن هذه الممارسات أصبحت “مشكلة مسكوت عنها”، إذ تُفضل النساء الصمت خوفًا من التشهير، أو فقدان أي أمل بالحصول على مساعدة مستقبلية، خاصة أن بعض القوائم تدار من أفراد بلا رقابة مؤسسية.

    ومع تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، أجرت وكالة “أسوشيتد برس” تحقيقا استقصائيا، كشفت فيه أنّ عدداً من النساء تعرّضنَ للاستغلال من قبل مقدمي بعض الخدمات والمساعدات، بعضهم مرتبط بمنظمات الإغاثة، وقد وُعدن بالطعام أو المال أو الماء أو الإمدادات أو العمل مقابل تنازلات جنسية. 

    وورد في متن التحقيق أن ست منظمات لحقوق الإنسان والإغاثة بما في ذلك مركز شؤون المرأة، وهو منظمة فلسطينية محلية، وشبكة الحماية من الاستغلال والاعتداء الجنسيين، التي تنسّق مع مختلف منظمات الإغاثة، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة – وكالة “أسوشيتد برس”أبلغن أنهن على علم بتقارير عن اعتداءات واستغلال جنسيين مرتبطين بتلقي المساعدات.

     الجوع سلاح بيد من لا يرحم

    في مقابلة مع الناشطة الحقوقية كريمة المجايدة قالت: “استغلال حاجة النساء لطلب المساعدة خلال حرب غزة يُعد جريمة يعاقب عليها القانون تُكيف كجريمة ابتزاز أو تحرش أو استغلال للضعف، وهي جرائم تصل عقوباتها إلى السجن المشدد وفق القوانين الوطنية، إضافة إلى أن القانون الدولي يعتبرها انتهاكاً جسيماً ويصنفها ضمن أشكال العنف الجنسي أو العنف القائم على النوع الاجتماعي”. 

    فيما قالت إحدى المتابعات للشأن الإنساني في غزة إن “هناك مبادرات محترمة وتعمل بجهد، لكن في المقابل، هناك من يستغل غياب الرقابة والاحتياج الشديد، البعض يستخدم قوائم التسجيل لابتزاز النساء معنويا أو أخلاقيًا، وهذا أمر خطير”. 

    تُوزع المساعدات غالبًا عبر منصات غير رسمية أو متطوعين يعملون على الأرض، دون إشراف مباشر من منظمات دولية أو لجان مراقبة، ما يجعل النساء طعما سهلاً للانتهاكات، خاصة النازحات، الأرامل، أو من لا معيل لهن.

    الخوف من الفضيحة… صمتٌ يعمّق الجريمة

    رغم تصاعد هذه الشهادات، لا تزال غالبية النساء يرفضن تقديم شكاوى رسمية، إما خوفًا من الانتقام أو خشيةً من الوصمة المجتمعية. تقول إحدى المتطوعات: “في ثقافتنا، لو تم تداول اسم امرأة على أنها تعرضت لابتزاز، فربما تُحاسب هي بدل الجاني. لهذا كثير من القصص تبقى في الخفاء”. 

    في مقابلة مع مديرة طاقم شؤون المرأة في قطاع غزة، بيسان أبو جياب قالت: “منذ بداية العدوان على قطاع غزة وعمال الإغاثة يقدمون مساعدات يحصل خلالها حالات استغلال جنسي ضد النساء والفتيات بل وأيضاً ضد الاطفال لذلك كان هناك حراك قوي يعمل على التوعية في قضايا الحماية من الاستغلال والانتهاك الجنسي (PSEA)”. 

    وأضافت أبو جياب أنها كانت شاهدة على إحدى القصص من هذا الجانب “هناك سيدة مقربة مني قالت لي يوجد شخص تواصل معها بصفته وكيل لمؤسسة من الضفة الغربية قال لها انه يريد تقديم مبلغ ١٠٠٠شيكل لمدة عام وأصبح يتحرش بها لفظيا وبطريقة أقرب إلى الإسقاط”. 

    وفي ظل غياب المسؤولية المؤسسية وآليات الرقابة المنظمة على توزيع المساعدات يزداد الأمر سواءً. حيث تعمل الكثير من المبادرات بطريقة عشوائية، وبعضها بلا أي جهة تحاسبها، ما يفتح الباب واسعًا أمام الانتهاكات.

    في المقابل، تطالب مؤسسات المجتمع المدني بضرورة إنشاء لجنة رقابة مستقلة على توزيع المساعدات، وتوثيق قوائم المستفيدين بشفافية، وتخصيص خط ساخن سري للإبلاغ عن الانتهاكات “الجنسية”، وإدخال وحدات حماية النساء ضمن فرق الإغاثة، ومحاسبة أي شخص يسيء استخدام المساعدات. 

    وأكدت ابو جياب على ذلك قائلة: “نحن في طاقم شؤون المرأة وبالتعاون مع مؤسسات نسوية أخرى نعمل على تدريب أخصائيين في مراكز التوزيع وأماكن النزوح على قضايا الحماية من الاستغلال والانتهاك الجنسي (PSEA): منها شبكة سند وهي شبكة تختص بالحماية من الاستغلال والانتهاك الجنسي وتمتلك خط اتصال مجاني

     (164) لتلقي شكوى من هذا الجانب بالشراكة مع مؤسسة سوا”. 

    وأشارت قائلة “هذه القضية تعتبر إحدى أهم القضايا التي سيتم العمل عليها خلال الخمس سنوات القادمة”. 

    تمارس جريمة ابتزاز النساء مقابل المساعدات بصمت، وتُمرَّر تحت غطاء الحاجة والإغاثة. ومحاربتها واجب إنساني وحقوقي.

    من جهتها أفادت شبكة PSEA أنها تلقت العام الماضي 18 ادعاءً بالاعتداء والاستغلال الجنسيين المرتبطين بتلقي المساعدات الإنسانية في غزة، وجميعها تتعلق إما بعمال الإغاثة أو بمن يرتبطون بها، مثل ممثلي المجتمع المحلي أو المتعاقدين من القطاع الخاص. وتُجري منظمة صاحب العمل تحقيقات في الادعاءات ضد عمال الإغاثة. ولم تُشر الشبكة إلى عدد الحالات التي يجري التحقيق فيها، قائلةً إنها لا تستطيع الكشف عن المعلومات إلا بعد إنهائها رسمياً.

    رابط المقالة المختصر: https://kashif.ps/y3xy
    شاركها.
    Chat Icon