مع انطلاق العام الدراسي الجاري، أعلنت وزارة التربية والتعليم في رام الله عن خطة لإنقاذ العام الدراسي في غزة، شملت هذه الخطة إطلاق مدارس افتراضية يتولى إدارتها والتدريس فيها معلمون ومعلمات من الضفة الغربية، بعد انتهاء فترات عملهم الصباحية في مدارسهم التي يعملون فيها.
وزير التربية والتعليم أمجد برهم، صرح قبل نحو شهر عبر برنامج ملف اليوم، على تلفزيون فلسطين، أن أكثر من 220 ألف طالب وطالبة من غزة منتظمون في مدارس التعليم الافتراضية.
هذه الأرقام التي تبدو في ظاهرها أرقاما كبيرة، نظرا للظروف التي يعيشها الناس في غزة، وانقطاع الكهرباء والانترنت، وضياع آلاف الأجهزة الذكية والحاسوب تحت الأنقاض، وإن نجت فإن شحن هذه الاجهزة يتم بمقابل مادي في محلات البقالة.
كل تلك الأسباب دعتنا إلى التحقق من مدى صحة انخراط 230 ألف طالب بالمدارس الافتراضية، بخاصة وأن هذه المدارس تعتبر التدخل الرئيس الذي تقوم به حكومة محمد مصطفى في غزة، لإنقاذ التعليم، حيث أرجأت بقية التدخلات الفعلية “الوجاهية” إلى ما بعد الحرب، رغم كونها أعلنت في البداية أن خطتها تشمل تدخلات عديدة ولا تقتصر على التعليم الالكتروني.
الإدعاءات:
– أكثر من 220 ألف طالب وطالبة من غزة منتظمون في مدارس التعليم الافتراضية، ومستفيدون حقيقيون من التعليم الالكتروني.
– تم تزويد الطلبة برزم تعليمية مخصصة لغزة، للصفوف من الأول إلى الثانوية العامة.
– تم حل المشاكل التقنية التي تواجه المدارس الافتراضية من خلال التعاون مع شركات الاتصالات.
تفاصيل التحقق:
التواصل مع المعلمة أسماء مصطفى من غزة: وهي معلمة لغة انجليزية منذ العام 2008 في شمال غزة، وحاصلة على لقب المعلم العالمي لعام 2020 ومن أفضل معلمي العالم، وحاصلة على معلمة فلسطين المبدعة لعام 2022، وجائزة أفضل المبادرات المجتمعية على مستوى غزة لعام 2023، عن مبادراتها “كل يوم حكاية”، لتعليم الأطفال في غزة في ظل الحرب.
مصطفى ولدى سؤالنا عن مستوى الإقبال والاهتمام بمبادرة المدارس الافتراضية في غزة، قاطعتنا في منتصف السؤال وقالت الإقبال “صفر”.
وتابعت: “قبل أيام قليلة دخلت إلى برنامج “تيمز” في أحد الحصص التي تقدم من خلال هذه المدارس للطلبة، فكان في الحصة 6 طلاب فقط.
وأكدت أسماء أن الفكرة نفسها تقصد “التوجه إلى التعليم الالكتروني في غزة في ظل الحرب”، هو قرار غير موفق وغير مجدي في هذه المرحلة الصعبة، لأننا لسنا بحاجة إلى تلقين معلومات لطفل مصدوم نفسيا وعاطفيا فاقد لأدنى احتياجاته الأساسية في الحياة، من غير المنطقي قطعا أن نرمي “رابط الكتروني” لهذا الطالب، وهو لديه احتياجات أسمى من مجرد الحصول على معلومة مجردة.
واسترسلت: “انا بكلمك وجوالي 9% شحن، لأننا نرسل هواتفنا إلى أماكن لشحنها وندفع عليها رسوما من أجل ذلك، لا يوجد شبكة اتصالات ولا انترنت ولا أي مقومات على أرض الواقع من أجل إنجاح التعليم الالكتروني، فكيف يتوجه نظام التعليم الرسمي في فلسطين إلى المدارس الافتراضية في ظل كل هذه المآسي؟
وقالت: كان من الأجدر دراسة الوضع بشكل أعمق، وأن يختاروا النمط التعليمي الأفضل في ظل الحروب وهو النمط التعليمي الشعبي، أي الوصول للطفل في مكانه.
وأوضحت أن هناك عشرات الآلاف من خريجين الجامعات في غزة، مستعدون للعمل في تعليم هؤلاء الأطفال، لماذا لا يتم تبني هؤلاء المعلمين وتجنيدهم ضمن برنامج تعليم شعبي يصل للطفل في مكانه.
التواصل مع الناطق باسم وزارة التربية والتعليم العالي، صادق الخضور: والذي أكد أن 230 طالب ملتحقون بالفعل في هذه المدارس الافتراضية، وأن الرقم حقيقي، والوزارة خصصت وحدة لمتابعة التعليم الافتراضي في غزة، وتم العمل على نظام الرزم التعليمية، بحيث يتم تدريس الطلبة كأنهم في مدارسهم لكن افتراضيا.
230 ألف هم ثلث طلبة غزة فقط!
وفي الوقت الذي تعلن وزارة التربية والتعليم في كل فرصة تسنح لها عبر وسائل الإعلام أن المدارس الافتراضية تفيد 230 ألف طالب، تتجاهل الحقيقة المقابلة أن عدد الطلاب الكلي في غزة يصل قرابة 700 ألف طالب “مع الطلبة الذين من المفترض أن يلتحقوا بالمدارس هذا العام”.
أي أن ثلث الطلبة ملتحقون بالمدارس فقط، فيما تعول وزارة التربية والتعليم على البرنامج التعليمي الذي تقوده وكالة الغوث “الأونروا” بشكل وجاهي في بعض مراكز الإيواء.
68 ألف أعلى نسبة حضور في المدارس الافتراضية
التوجه لوحدة تعليم غزة في وزارة التربية والتعليم العالي في رام الله: تبين من خلال الوحدة التقنية التي تتابع برنامج التعليم الافتراضي، أن أعلى رقم سجله النظام للطلبة المتابعين للحصص الدراسية، منذ إطلاق برنامج التعليم الافتراضي لم يتجاوز 68 ألف طالب/ة، وهو رقم غير مستقر، انخفض في بعض الأحيان إلى 25 ألف، أي أن 230 ألف لديهم حسابات على منصات التعليم في حين أن الرقم الفعلي للمستفيدين من هذه المنصات لم يتجاوز في أفضل حالاته 68 ألف.
وفي الوقت الذي أعلن وزير التربية في 30 من أيلول الماضي، ان الرزم التعليمية لجميع المناهج وجميع الصفوف من الأول إلى التوجيهي ستكون على موقع الوزارة، فإنه حتى تاريخ عملنا البحث الأولي على الموقع “23 اكتوبر” كانت المواد المرفوعة هي من الصف الأول إلى الرابع فقط، لاحقا لذلك تم رفع الرزم التعليمية التي فهمنا من الوزارة أنها ذاتها الرزم التي تم عملها في فترة الكورونا ولكن تم إعادة ترتيبها لتكون على فترتين دراسيتين بدل أربعة فترات.
المشاكل التقنية لم تعالج
وفي الوقت الذي وعد وزير التربية برهم في تصريحه على قناة فلسطين الرسمية، أن مشاكل الانترنت ستعالج في غزة بالتعاون مع شركات الاتصالات، فإنه حسب تأكيدات العديد من المواطنين والصحفيين والمعلمين وغيرهم، لم يجري عمل أي تحسينات أو حتى تقديم رزم مجانية للطلبة في سبيل تمكينهم من الانضمام إلى المدارس، ما يعني أن هذا التصريح حتى تاريخ كتابة التقرير عارٍ عن الصحة.
من الضروري بمكان، الإشارة إلى أن هذا التقرير لا يقلل من شأن أي جهد أو أي خطوة تقوم بها وزارة التربية والتعليم لإنقاذ التعليم في غزة، ولكن في نفس الوقت من الواجب توخي الدقة في تداول المعلومات حول أوضاع التعليم في غزة، بخاصة أن هناك تخوفات لدى أولياء الأمور أن برنامج المدارس الافتراضية سيساعد على تجهيل الطلبة واحتساب سنوات دراسية لم يتم إنجازها بشكل حقيقي وفعلي.
نتيجة التحقق:
- 230 ألف طالب/ة هم من لديهم حسابات “مستخدمين” على منصتي “تيمز و إي سكول” الخاصتين بالمدارس الافتراضية في غزة.
- 68 ألف طالب/ة هو أعلى نسبة حضور تم تسجيلها عبر المدارس الافتراضية، وهو رقم غير مستقر انخفض في بعض الأيام إلى 25 ألف.
- لم يتم حل المشاكل التقنية للطلبة بالتعاون مع شركات الاتصالات، من أجل تسهيل التحاقهم بالمدارس الافتراضية، وهو ما أكدته أيضا الوحدة التقنية التي تتابع التعليم في غزة، في وزارة التعليم.
- عدد الطلبة الكلي في غزة هو نحو 700 ألف طالب، بالتالي فإن تداول رقم 230 ألف دون الإشارة إلى العدد الكلي للطلبة قد يوحي للجمهور بأن غالبية طلبة غزة ملتحقون بالتعليم الافتراضي، والحقيقة أن ثلث الطلبة فقط مسجلين على هاتين المنصتين “تيمز وإي سكول”.
- حتى تاريخ 23 من اكتوبر كانت الرزم التعليمية المحملة على موقع وزارة التربية والتعليم والبوابة التعليمية هي من الاول الى الرابع فقط، اما بقية الصفوف فاستغرقت شهر بعد اطلاق المدارس الافتراضية حتى تم رفعها.
- أقل من 1500 شخص شاهد الرزم التعليمية او قام بتحمليها على موقع البوابة التعليمية التابع لوزارة التربية.
- الرزم التعليمية التي تم رفعها على موقع الوزارة هي ذاتها الرزم التي تم استخدامها خلال فترة كورونا، فقط تم إعادة تقسيم المواد على فترتين بدلا من 4 فترات كما كان في كورونا، وهو ما أكده أيضا الناطق باسم الوزارة.